٣٥ مليوناً لم يشاركوا فى الاستفتاء.. لماذا؟ . بقلم دكتور : محمد حبيب .. المصرى اليوم
Sat, 29/12/2012 - 22:56
معظم التحليلات التى تناولت نتائج الاستفتاء على الدستور انصبت على نسبة من قالوا «نعم» ومن قالوا «لا».. وهذا أمر طبيعى وبدهى.. وتعتبر نسبة من قالوا «لا»، بغض النظر عن الخروقات، نسبة كبيرة إذ بلغت 36.2٪ من المشاركين فى الاستفتاء، وهذه يمكن البناء عليها.. صحيح أن نسبة من قالوا «نعم» وصلت إلى 63.8٪، إلا أن ذلك مرتبط فى الغالب الأعم بالريف، سواء فى الصعيد أو فى الدلتا، وهو ما يلقى بعبء كبير على المعارضة فى معركة انتخابات مجلس النواب المقبلة، حيث يجب ألا يقتصر اهتمامها فقط على العواصم والمدن الكبرى، وإنما يجب أن يمتد حضورها ووجودها فى القرى والكفور والنجوع.. ربما لا تستطيع أن تحقق إنجازا كبيرا خلال الفترة القليلة المقبلة، لكن الحركة والتواصل مطلوبان، وكما يقال: ما لا يؤخذ كله لا يترك جله.. من جانب آخر، قليلة هى التحليلات التى اهتمت بمن لم يشارك فى الاستفتاء، رغم أنهم يمثلون أكثر من ثلثى من لهم حق التصويت، أى حوالى ٣٥ مليوناً.. حتى الدكتور مرسى نفسه لم يتطرق إليهم فى خطابه!! من المؤكد أن هذه الشريحة الضخمة، حال التواصل معها، يمكن أن تقلب أى معادلة، وهذا هو المطلوب.
هذه الشريحة التى قاطعت ولم تشارك ليست فى الواقع كتلة واحدة، وإنما يمكن تقسيمها إلى شرائح أصغر تتفاوت فى حجمها من مكان إلى آخر.. الشريحة الأولى هى تلك التى حالت ظروفها دون المشاركة.. قد تكون ظروفا مرضية، أو عدم استطاعة السفر إلى مكان التصويت، أو البرد، أو عدم استطاعة الوقوف ساعات طويلة نتيجة لإدماج عدد كبير من اللجان فى لجنة واحدة، بسبب رفض حوالى ٨٠٪ من القضاة الإشراف على الاستفتاء، وهكذا. الشريحة الثانية هى تلك التى تأثرت بالأحداث التى سبقت الاستفتاء من بداية الإعلان الدستورى المعيب الذى أصدره الدكتور مرسى، والذى أدى إلى إشعال حرائق فى جسد الوطن، من انقسام حاد لقواه، وعنف واحتراب أهلى بين فرقائه، وسقوط شهداء ونزف دماء هنا وهناك، واعتصامات حول «الدستورية» وأمام قصر الاتحادية وحول مدينة الإنتاج الإعلامى، وحرق مقار حزب الحرية والعدالة ومقر حزب الوفد بالقاهرة... إلخ. الشريحة الثالثة هى تلك الشريحة الحائرة بين قول «نعم» و«لا»، والتى لم تجد من يقنعها بهذه أو تلك.. الأمور كانت مختلطة لديها.. كما أن ثقتها كانت ضحلة أو تكاد تكون منعدمة فى كل من الفريقين.. لقد سمعت هذه الشريحة أساتذة قانون دستورى يؤيدون، وآخرين لهم القدر نفسه والمكانة يرفضون.. وبالتالى لم تجد مناصاً من الابتعاد، و«حفظ الوقت والجهد»!!. الشريحة الرابعة هى تلك الشريحة السلبية دائماً وأبداً.. هذه لديها قناعة بأن الأمور ماضية إلى غاياتها ومراميها، سواء شاركت برأى أم لم تشارك..لا يوجد عندها ما يحفزها على المشاركة.. ربما تشعر بأن هذه القضية بالذات - الاستفتاء على الدستور - لا تهمها ولا تشغل بالها، على الأقل فى حياتها ومشكلاتها اليومية.
أزعم أن أداء الدكتور مرسى، إضافة إلى تراجع شعبية الإخوان والتيار الإسلامى بشكل عام هما السبب الرئيس فى ابتعاد معظم شريحة الـ٣٥ مليون مواطن عن المشاركة فى الاستفتاء.. بالطبع ليس لدينا استطلاع أو إحصاء دقيق للرأى، لكن من خلال العينة البسيطة التى التقيناها، ربما كانت الشريحتان الثانية والثالثة هما الأعظم والأكبر تأثرا وتأثيرا.. أزعم أيضاً أن جزءاً لا يستهان به ممن قالوا «نعم» جاء رأيهم نتيجة الملل الذى أصاب الناس والرغبة فى الانتهاء من هذا المسلسل، وليس اقتناعا به أو موافقة عليه.. فإذا أضفنا إلى ذلك أن حوالى 6.6 مليون مواطن صوتوا بـ«لا»، وهو رقم كبير، لأدركنا أن الاستفتاء لن يكون نهاية الأزمة، بل استمرار وربما تعقيد لها، وما لم يتدارك الدكتور مرسى هذا الأمر فسوف تكون العواقب وخيمة، داخلياً وخارجياً.. أرجو أن يرتفع الرجل إلى مستوى التحدى الذى تواجهه البلاد.. أرجو أن يوجه الدعوة بنفسه، سريعا وعاجلا، لرموز القوى السياسية والوطنية للحوار والتوافق حول: مواد الدستور المختلف عليها، ومشروع قانون انتخاب مجلس الشعب القادم، والتعديل الوزارى المزمع إجراؤه... إلخ، بذلك يستطيع أن ينزع فتيل الأزمة، ويعيد اللحمة.. إن الفرصة مازالت سانحة، وأرجو ألا تفلت من بين يديه كبقية الفرص الأخرى التى ضاعت..إنها لحظة فارقة فى تاريخ الوطن، وما أقلها.. ولعلها تكون بداية لرأب الصدع وجمع الشمل.. فهل من مجيب؟ نرجو ذلك٣٥ مليوناً لم يشاركوا فى الاستفتاء.. لماذا؟
تعليقات
إرسال تعليق